بمدينة تعاني التهميش.. أمن ابن أحمد يُقلِّب الأحجار بحثا عن أشلاء مفترضة

محمد منفلوطي- هبة بريس

على بعد مايقارب 50 كيلومتر شرق مدينة سطات، يقودك المسير نحو عاصمة امزاب، مدينة التوت، إنها مدينة ابن أحمد مدرسة النضال والأدباء والكتاب والسياسيين الذين شربوا من مياهها النقية واستنشقوا هواءها العليل وترعرعوا بتربتها الخصبة التي أنتجت جيلا ذهبيا منهم من تقلد المناصب ومنهم من ساهم في تدبير شؤون البلاد والعباد، ومنهم من اختار الدفاع المستميت عن القضايا الوطنية التي تشغل بال مواطنيها من الشرفاء… هي بلاد السلم والسلام والأمن والأمان، حتى أن جريمتها التي ملأت الدنيا وجرت عليها وابلا من الانتقاذات هي بريئة منها براءة الذئب من دم يوسف..

بطريق كثيرة المنعرجات والحفر والمنحدرات، تقف يافظة شامخة شموخ ساكنة امزاب ” امزابي حر وراسي مرفوع”، لتعلن القادم إليها بدخول مدينة ابن أحمد، صور وأخبار قادمة من هناك تحمل روايات وتفاصيل جريمة قتل باتت تعرف بجريمة المراحيض.

الكل شد الرحال عبر طريق كثيرة المنعرجات، ميكروفونات من هنا وهناك، لايفات وحوارات واستجوابات، حتى أنها طالت حتى أطفال قاصرين في ضرب صارخ للقوانين، فإذا كان المشرع المغربي أقر بالاستماع إلى القاصر الحدث بحضور ولي الأمر إقرارا منه وتأكيدا، فكيف أن تتم استباحة هذا الحق والدفع بأطفال أبرياء ليروون القصص ويحكون الروايات حتى من رسم مخيلاتهم…

نعم، من كل حدب وصوب، الكل شد الرحال، صوب مدينة تعاني الويلات وتختزل إرثا ثقيلا من سوء التدبير على مستوى المجالس المتعاقبة ومن مدخلها شوارعها وملامح وجوه شبابها يظهر و”يبان العربون” كما يقال.

على مدى أربعة أيام أو يفوق، لازالت فرق البحث والتقصي وجمع المعطيات تلاحق كل صغيرة وكبيرة، حتى قنوات الصرف الصحي تم حفرها وتفتيشها والسير عبر مصبِّها المتدفق بالمدخل الغربي للمدينة بدعم من الكلاب المدربة.

زنقة زنقة، درب درب، محيط المدارس والأسواق والأماكن المهجورة، كل ذلك كان في مرمى التفتيش والبحث والمسح الدقيق.

عيون عناصر الأمن تراقب وتدفق عن قرب في كل صغيرة وكبيرة، حتى الأشلاء الصغيرة الدقيقة من شعيرات وغيرها تم حملها وارسالها إلى المختبرات بعد أخذ العينات.

جرافات وشاحنات تابعة للمجلس الجماعي وأخرى تابعة للشركة متعددة التخصصات، وعمال النظافة وأعوان السلطة، الجميع التحق بفرق البحث لتقديم العون والمساعدة من منطلق اختصاصاته، وعلى طول الجدار الأمني البلاستيكي، اصطفت جموع المواطنين تتابع تناقش ومنهم، من طالب الجهات المعنية بانقاذ المدينة والتعامل مع مطالب ساكنتها على مختلف الأصعدة.

كاميرا هبة بريس وهي تدخل إحدى الأزقة غير بعيد عن مسرح الجريمة، هناك كانت مجموعة من النسوة يتبادلن أطراف الحديث، وقفت إحداهن وخاطبتنا” سمحو لينا أوليدي، كان علينا نستقبلكم في ظروف أحسن، نحن أهل الكرم، ولكن هذه هي الدنيا…نحن أناس مسالمين معمرنا شفنا هاذ الشيء”.

ودعناها تحية مباركة وقُبلة على الرأس، تابعنا المسير، تعقبنا سيارات الشرطة والقوات المساعدة وهي تتنقل من زنقة إلى زنقة ومن درب إلى درب ومن أرض فلاحية إلى أخرى..

هي جريمة القتل التي عرفتها مدينة ابن أحمد والتي قادت المشتبه فيه الرئيسي صوب سجن عين علي مومن في انتظار الشروع في الاستماع إليه تفصيليا من قبل استئنافية سطات في 20 من ماي المقبل.

وعدنا مدينة ابن أحمد، وحملنا معنا مطالب ساكنتها من الغيورين والتي كانت معظمها تنصب على فك العزلة والتهميش المتمثلة في ضعف الشبكة الطرقية المعبدة، وضعف أبسط الخدمات من تطبيب ونقل ومرافق ترفيه ومصانع ومعامل تقي شبابها من شبح العطالة وخطر الانحرافات وتعاطي المخدرات، مما حول حياتهم حسب تصريحات البعض منهم إلى جحيم لا يطاق ليبقى أملهم في التطلع لغد أفضل، من بين الأهداف المنشودة.

حملنا معنا تساؤلاتهم حول مآل الأشجار الباسقة التي عايشت جيلا منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، أشجار تلقي بظلالها على بناية شيدها المستعمر الفرنسي وخصصها لمعالجة أمراض الصدر والربو والسل.

سألوا عن مآل هذا المستشفى الذي كان يفي بالغرض، كان المرضى يدخلونه على النعوش ويغادرونه مشيا على الأقدام.

سألوا عن مآل هذا المرفق الصحي الذي طالته أيادي الإغلاق والإقبار، شيّده المستعمر الفرنسي على مساحة تبلغ 3483 مترا مربعا، مكون من 4 طوابق بما فيها الطابق تحت أرضي، وطاقة استيعابية تقارب 80 سريرا، كان يستقبل المرضى من مختلف مناطق المغرب وخارجه، وتدوم مدة الاستشفاء من أسبوعين إلى ثلاثة أشهر، تسهر عليه أطر طبية تتجاوز 24 عنصرا موزعة بين أطباء أخصائيين وممرضين وأطر إدارية وتقنية ومساعدين.

نتمنى صادقين أن تكون هذه الالتفاتة إشارة قوية لتسليط الضوء على هذه المدينة، وعلى هذا المرفق الصحي الحيوي لإعادة الروح إليه بدل إقباره وتحويله إلى لقمة سائغة في فم تجار الصناديق الاسمنتية، وسبيلا لبثر ثروته الطبيعية من أشجار الصنوبر الخالدة خدمة لأعداء البيئة.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى