طريق “أولاد عيسى” بالجديدة.. وصمة عار في “مغرب 69 سنة بعد الاستعمار”!

مصباح أحمد – الجديدة

بسبب ضيقها وتآكل جنباتها، واكتساح الحفر العميقة على طولها، باتت “طريق الذل والعار”، على طول 20 كلم، الرابطة بإقليم الجديدة، بين جماعتي أولاد عيسى وسبت سايس، مرورا بتراب جماعة زاوية سايس، عائقا صارخا لتحقيق “التنمية”، تتخبط في مستنقعه الساكنة، التي ما فتئت تعاني من الحصار المضروب.

هذا، فلا تخفى أهمية الطرق المعبدة، الوطنية والإقليمية والجهوية، وحتى المسالك الطرقية المبنية بما يعرف ب”التوفنة”، في فك العزلة عن العالم القروي، كونها من البنيات التحتية الأساسية، التي هي من شروط ومقومات “التنمية”، التي تصون كرامة المواطنين.

ويظهر “فيديو”، توصلت به الجريدة من الناشطة الفيسبوكية، السيدة حياة الصادقي، الحالة المزرية التي آلت إليها الطريق المؤدية من مركز أولاد عيسى إلى أولاد علي، وإلى زاوية سيدي غانم؛ حالة كارثية بجميع المقاييس، يمكن الوقوف عليها بالواضح الملموس، من خلال التعليق “المزلزل” المواكب للصورة الحية. حيث تناشد الناشطة الصادقي بحرقة المسؤولين للقيام بواجبهم، بإصلاح تلك الطريق التي تمر منها وعبرها العربات وحافلات النقل المدرسي، وسيارة الإسعاف التي تقل المرضى.

وفي تصريح خصت به الجريدة، أثارت الناشطة المستقلة أيضا الانتباه إلى كون الساكنة تعاني، جراء الظروف المعيشية والاجتماعية الصعبة، في ظل غياب البنيات التحتية الأساسية، والعطالة التي يتخبط فيها شباب المنطقة.

هذا، ووصف متتبعون لصفحتها الفيسبوكية، التي تحمل عنوان “قصص وعبر حياة الصادقي”، في تعليقاتهم، الناشطة الصادقي ب”امرأة بألف رجل”؛ فهي غير منضوية في أية جمعية من المجتمع المدني، ولا تتلقى، على غرار الجمعيات “المحظوظة”، أي دعم مالي أو مادي، أو كيفما كانت طبيعته. فوحدهما الغيرة والصالح العام من يحركانها، رغم إعاقتها الجسدية (من ذوي الاحتياجات الخاصة)، ورغم كونها لم تطآ قط قدماها المدرسة؛ إذ يساعدها شريك حياتها في التوثيق، بالتقاط الصور والفيديوات، والنشر والتدوين في العالم الافتراضي.

إلى ذلك، فقد كان رئيس الجماعة الترابية (القروية) لأحد أولاد عيسى، محمد المخنتر، وجه، بصفته نائبا برلمانيا (عن الفريق الحركي)، سؤالا كتابيا إلى رئيس مجلس النواب، يسائله فيه وزير التجهيز والماء، حول “إصلاح الطريق الرابطة بين مركز جماعة أولاد عيسى وجماعة سبت سايس، بإقليم الجديدة”. حيث أثار في سؤاله المرجعي الذي تتوفر الجريدة على نسخة منه، الانتباه إلى الوضعية الكارثية لتلك الطريق، على طول 20 كلم، والتي لم تعد صالحة البتة لحركة السير، علما أنها، كما جاء في سؤال النائب البرلماني، شريان أساسي لانسيابية تنقل الأشخاص والبضائع، وتربط بين ثلاثة أسواق مهمة.

وأضاف النائب البرلماني أنه قد تمت مراسلة عدة جهات مختصة في الموضوع، سيما بعد تلقي عدة شكايات، من مستعملي هذه الطريق؛ كما تمت إثارة والتطرق للموضوع في جميع اللقاءات والاجتماعات التقنية التي تعقد بعمالة إقليم الجديدة، وكذا، الزيارات الميدانية للجماعة الترابية أولاد عيسى، مشددا على أن جواب ممثل إدارة التجهيز، يكون دائما أن هذا المقطع الطرقي غير مرقم، وأن المديرية ستسعى لترقيمه مستقبلا.

وساءل النائب البرلماني “الحركي”، محمد المخنتر، الوزير بركة، المسؤول في حكومة أخنوش، عن الإجراءات والتدابير المتخذة، من أجل ترقيم هذا المقطع الطرقي، ملتمسا التعجيل بإصلاحه خدمة للصالح العام، سيما أن الإصلاح المتوخى والمنتظر، قد أخذ وقتا طويلأ؛ ما أضر بمصالح ساكنة المنطقة.

هذا، فإن وزير التجهيز والماء، نزار بركة، قد أنهى في معرض جوابه علاقة بالموضوع المثار في سؤال البرلماني المخنتر (السؤال رقم: 4487)، المدرج تحت رقم: 71/22/ الديوان، والذي تتوفر الجريدة على نسخة منه، (قد أنهى) إلى علمه بأن الأمر يتعلق بالطريق غير المصنفة، الرابطة بين مركز جماعة أولاد عيسى، وجماعة سبت سايس، على طول 20 كلم، والتي يمكن اقتراح إصلاحها في إطار برنامج تقليص الفوارق الترابية والاجتماعية، الذي يتم انتقاء العمليات المتعقلة به، من طرف اللجن الجهوية بجهة الدارالبيضاء–سطات، والإقليمية بإقليم الجديدة، التي تشرف على هذا البرنامج، وسوف تلقى كل الدعم التقني من طرف المصالح الجهوية والإقليمية المعنية لوزارة التجهيز والماء.

وأشار الوزير بركة، في ختام رده، إلى أن المصالح الإقليمية للتجهيز والماء تدرس إمكانية تصنيف هذه الطريق كطريق إقليمية، على ضوء تحليل معطياتها الهندسية، للتأكد من أنها تستجيب للمعايير المعمول بها لهذه الغاية؛ إذ سيتم، بعد ذلك، اقتراحها على اللجنة الإقليمية، التي تشرف على تصنيف الطرق الإقليمية، والتي يشرف على رئاستها عامل إقليم الجديدة.

هذا، واستنادا إلى جواب الوزير بركة، وما اقترحه من إجراءات وتدابير عملية على أرض الواقع، لإيجاد حل لمعضلة الطريق، موضوع السؤال الكتابي، فإن “الحركي” محمد المخنتر، حسب ما صرح للجريدة، قد وجه، بصفته رئيس جماعة أولاد عيسى، مراسلات مرفقة بدراسات تقنية للطريق، إلى الجهات المعنية والمختصة، التي جاء وزير التجهيز والماء في جوابه الكتابي المرجعي، على ذكرها وعرض اختصاصاتها وصلاحياتها، وما هو بالتحديد والضبط منتظر من تلك الجهات المتدخلة. وهي الإرساليات المرجعية، التي شدد ممثل الساكنة تحت قبة البرلمان، على كونها ظلت بدون رد، مجرد حبر على ورق، لتبقى معها الطريق بدون عملية الإصلاح والتأهيل المتوخاة، ولتتواصل من ثمة و”حتى إشعار آخر”.. معاناة الساكنة والمواطنين، رعايا صاحب الجلالة!

وكملحوظة، فقد تضمن رد الوزير الكتابي، المبين تفصيليا أعلاه، كلمة “سوف”، التي تقف الجريدة عند دلالتها اللغوية، دون الخوض في نية وخلفية استعمالها، وما إذا كان هذا الاستعمال عن قصد أو عن غير قصد، أو ناجما عن خطأ أو عدم إلمام بقواعد اللغة والنحو.

فكلمة “سوف” التي تكون مقترنة بفعل في المضارع، مثل “سوف تلقى”، تدل على الاستقبال، وتستخدم لتأكيد وقوع الفعل في المستقبل؛ وهي مرادفة لحرف “س”، الذي يكون بدوره مقترنا بفعل في المضارع، مثل “ستلقى”.. غير أن ثمة فرقا واضحا بين الاثنين والاستعمالين.. إذ أن كلمة “سوف”، وخلافا لحرف “س”، تفيد تأخيرا أطول لوقوع الفعل المستقبلي.

وبالمناسبة، فإن “التسويف” مشتق من كلمة “سوف”، ويفيد لغويا تأجيلا أو تأخيرا قد يكون “متعمدا” في إنجاز مهام أو أعمال هامة، إلى وقت لاحق، أو “بصيغة ملطفة”، إلى وقت قد لا يأتي.. وغالبا ما يكون “التسويف” على حساب تحقيق الأهداف والتقدم.

إلى ذلك، فقد وجه النائب البرلماني المخنتر (عن الفريق الحركي)، إلى الوزير بركة، تحت إشراف رئيس مجلس النواب، سؤالا كتابيا ثانيا، تحت رقم: 11525، بتاريخ: 27 يونيو 2023، وذلك تعقيبا على جوابه الكتابي، تحت عدد: 77، بتاريخ: 06 يونيو 2022، في موضوع إصلاح الطريق الرابطة بين جماعة أولاد عيسى، وجماعة سبت سايس؛ حيث نبه النائب البرلماني وزير التجهيز والماء، إلى كونه كان التزم من خلال جوابه المرجعي، باقتراح ودعم المشروع لدى جهة الدارالبيضاء–سطات، وبإدراجه ضمن برنامج تقليص الفوارق المجالية، إضافة إلى تصنيف هذه الطريق، لتمكين مصالح التجهيز الإقليمية من مباشرة الإصلاح المتعهد به. إذ ساءل من ثمة الوزير عن التدابير التي يعتزم اتخاذها، للإسراع بإنجاز هذا المشروع الهام، والذي سيمكن من فك العزلة عن ساكنة ثلاثة جماعات ترابية. حيث إن النائب البرلماني محمد المخنتر، لم يتلق بأي رد أو جواب بشأن سؤاله الكتابي، الذي وجهه إلى المسؤول الحكومي، وزير التجهيز والماء، نزار بركة، طبقا وتطبيقا لمقتضيات النظام الداخلي لمجلس النواب.

هذا، فإن حالة وحال الطريق المهترئة بتراب جماعة أولاد عيسى، والظروف المعيشية الصعبة، “عنوان الهشاشة والإقصاء”، أمام صمت السلطات والمسؤولين، وفي غياب تنمية بشرية واجتماعية واقتصادية، من شروطها ومقوماتها، توفير البنيات التحتية الأساسية، وفي مقدمتها تأهيل الطرق، لفك العزلة والحصار عن العالم القروي، (إنهما) يقولان على أرض الواقع وبالواضح والملموس، عكس التوجهات والتوجيهات الملكية السامية، وكذا، الشعارات والخطابات، التي ما فتئ يرفعها بعض المسؤولين في الاجتماعات الرسمية، وأمام الأضواء وعدسات الكاميرا.

واقع مرير من المعاناة والإقصاء من “للتنمية”، التي خصصت لها بالمناسبة “مبادرة وطنية”، تكون أطفأت، شهر ماي 2025، شمعتها العشرين. “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية (INDH)”، التي نشأت وترعرعت، وقطعت، في ظل تعاقب 5 حكومات مغربية، مراحلها الثلاثة: المرحلة الأولى (2005 – 2010)، والمرحلة الثانية (2011 – 2015)، والمرحلة الثالثة (2019 – 2023)، والتي كان من غاياتها وأهدافها تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للفئات الفقيرة، وجعل المواطن المغربي أساس الرهان التنموي، عبر تبني منهج تنظيمي خاص، قوامه الاندماج والمشاركة.

واقع قد يوحي بأن عقارب الساعة، وكأننا في فيلم للخيال العلمي (سفر في الزمن) أو (سفر إلى الماضي)، قد عادت بالمنطقة إلى الوراء، إلى حقبة الاستعمار الذي ظل جاثما، مدة 44 سنة، على صدور المغاربة، وقسم الوطن إلى ما كان يعرف ب”المغرب النافع” و”المغرب غير النافع”، ونهب خيرات البلاد، وأدخلها، سنة 1945، في مجاعة قاتلة، حملت مسميات “عامية”، منها عام الجوع – عام القحط – عام البون – عام 45، جعلت أجدادنا وآباءنا، كما يظهرون ” في الأفلام الوثائقية باللونين “الأبيض والأسود”، ملفوفين في جلاليب قصيرة وعريضة، تغطي أجسادهم النحيفة، وهم يصطفون لساعات طوال، ويشركون الليل بالنهار، في طوابير بشرية لامنتهية، في الدروب والأزقة والساحات، لتلقي حفنة معونة، لا تسمن ولا تغني من جوع.

بنيات تحتية أساسية تكاد تكون منعدمة، وطرق متصدعة ومهترئة، وظروف معيشية صعبة، في غياب “تنمية حقيقية”، من المفترض والمفروض أن تحفظ الكرامة. يحدث هذا في “مغرب الألفية الثالثة”، “مغرب 69 سنة بعد الاستقلال”، أو “مغرب 69 سنة بعد الاستعمار”، في “مغرب” يستعد على قدم وساق لاحتضان كأس العالم لكرة القدم، أكبر تظاهرة رياضية على كوكب الأرض، ستجمع، سنة 2030، دول القارات الخمسة.

كما يحدث في إقليم من حجم الجديدة، الذي يحظى بأكبر ميناء صناعي ومجمع كيماوي في القارة الأفريقية، علاوة على ما حباه الله من موارد وخيرات فلاحية وبحرية. الجديدة، حضيرة منطقة دكالة.. هذه المدينة السياحية، التي تمتد شواطئها الخلابة على طول 150 كيلومتر، وتحظى بمنتجعات سياحية كبرى، من طينة منتجع مازاغان الدولي، ومنتجع سيدي بوزيد. الجديدة، هذه المدينة التاريخية، التي حملت اسم “مازاغان” و”البريجة”، والتي عرفت ب”المهدومة”، بعد أن قام السلطان محمد بن عبد الله، بتحريرها، وعمد الاحتلال البرتغالي إلى تدميرها، قبل أن تعرف، منذ عام 1815، باسمها الحالي “الجديدة”، بعد أن أعاد بناءها السلطان عبد الرحمن بن هشام، والتي صنفتها منظمة اليونسكو، عام 2004، تراثا عالميا. الجديدة، مدينة المقاومة والعلم والعلماء، والتي أنجبت كبار المفكرين والقادة والزعماء، والمسؤولين الذين تعاقبوا، منذ فجر الاستقلال، على الحكومات المغربية المتتالية، بمختلف تلويناتها الحزبية والسياسية. الجديدة التي باتت المقاهي والمطاعم والمحلات التجارية.. تحتل وتكتسح كالطفيليات ملكها العمومي، من أرصفة وممرات الراجلين؛ الجديدة التي تحتل مقاه ضدا على القانون، منذ أزيد من عقدين، للشاطئ وللملك البحري. الجديدة التي أضحت وجهة مفضلة يقصدها السياح والزوار من داخل وخارج أرض الوطن، فصل الصيف والاصطياف، إذ تتضاعف ساكنتها بثلاثة أو أربعة مرات.. لا تتوفر للأسف، وصمة عار على جبين القائمين على تدبير الشأن العام، على مراحيض عمومية، يمكن اللجوء إليها في حالة الطوارئ!



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى