
عودة(الباشلور).. البذرة التي زرعها أمزازي وأجهضها ميراوي
هبة بريس – عبد اللطيف بركة
في منعطف جديد من تراكمات إصلاح التعليم العالي بالمغرب، عاد نظام (الباشلور) ليطل برأسه من بوابة المدارس العليا للتكنولوجيا، في مشهد يعيد إلى الأذهان قصة إصلاح طموح، حمل ملامحه الوزير الأسبق سعيد أمزازي، قبل أن يُجهض في مهده على يد خلفه عبد اللطيف ميراوي، ثم يُبعث من جديد على يد الوزير الحالي عز الدين ميداوي.
– أمزازي… الوزير الذي استشرف المستقبل
في سنة 2021، وبينما كانت أنفاس المنظومة الجامعية تختنق تحت وطأة الإشكالات التقليدية، خرج البروفسور سعيد أمزازي، وزير التعليم العالي آنذاك، برؤية جديدة تُراهن على مواءمة الجامعة المغربية مع التجارب العالمية، عبر اعتماد نظام “الباشلور” المستوحى من الهندسة البيداغوجية الأنجلوساكسونية، لم يكن القرار وليد اللحظة، بل تتويجًا لمسار تشاوري طويل مع أساتذة وخبراء ومؤسسات جامعية.
كان النظام الجديد بمثابة قطيعة معرفية مع النموذج الكلاسيكي، حيث جاء ليسد الفجوة بين التعليم الثانوي والعالي من خلال سنة تأسيسية، ويمنح الطلبة مهارات لغوية وثقافية وتقنية تعزز جاهزيتهم المهنية، وتفتح أمامهم أبواب الاندماج في محيط معولم لا يرحم المتقاعسين عن التجديد.
– ميراوي… الوزير الذي أغلق الأبواب دون إنذار
لكن لم تكد فرحة الأوساط الجامعية تستقر حتى جاءت رياح التغيير السياسي، ليُعين عبد اللطيف ميراوي وزيرًا للتعليم العالي في بداية الولاية الحكومية الجديدة، وبقرار مفاجئ، اختار إيقاف العمل بنظام “الباشلور”، مُلغيا بذلك مسارات دراسية لأزيد من 24 ألف طالب، تركهم معلَّقين في فضاء الغموض دون بدائل واضحة.
لم يرافق قرار الإلغاء أي تفسير دقيق، ولا خريطة طريق بديلة، ما جعل عدداً من الفاعلين يرون في الخطوة نكوصاً عن إصلاح واعد، يُعيد المنظومة إلى دائرة التردد وغياب الرؤية.
– ميداوي… الوزير الذي أعاد زرع البذرة
اليوم، تعود الحكومة لتعلن في مجلسها المنعقد يوم أمس الخميس 12 يونيو الجاري، عن بعث نظام “الباشلور” من جديد، بمرسوم رسمي يقر اعتماده داخل المدارس العليا للتكنولوجيا، في خطوة تعكس عودة الثقة في هذا النموذج التكويني العصري.
القرار جاء بمبادرة من الوزير الحالي عز الدين ميداوي، الذي بدا حريصًا على ترميم ما تم هدمه، وإحياء روح الإصلاح الذي أطلقه أمزازي، حيت لم يكن ذلك مجرد اجترار للماضي، بل قراءة استراتيجية لمستقبل الجامعة، خصوصًا بعد حذف نظام الإجازة المهنية، وما خلفه من فراغ في التكوينات ذات الصبغة التطبيقية.
– الباشلور… عنوان تميز بمذاق وطني
عودة النظام الجديد تأتي في سياق تنزيل مضامين القانون الإطار 51.17، الذي ينص على تنويع العرض التكويني والرفع من جودته، لا سيما في المؤسسات ذات الولوج المحدود، كما أن هذه العودة تمنح المدارس العليا للتكنولوجيا وضعية تميز، دون التفريط في وظيفتها المهنية، لتصبح رافعة للتكوين الأكاديمي المواكب لمتطلبات سوق الشغل، ومُحفزًا على الابتكار والاندماج.
بين يد أمزازي التي غرست، ويد ميراوي التي اقتلعت، ويد ميداوي التي أعادت البناء، تقف الجامعة المغربية اليوم أمام لحظة مراجعة عميقة لخياراتها، فهل تكون هذه العودة الثانية للباشلور أكثر رسوخًا، أم أن قدر الإصلاح في هذا البلد أن يظل رهينة الأمزجة المتعاقبة؟ سؤال مفتوح على الزمن، وعلى الإرادة السياسية.
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X